-
-
فَأَقَامَ رَئِيسُ الشُّرَطِ يُوسُفَ عِنْدَهُمَا فَخَدَمَهُمَا. وَكَانَا أَيَّامًا فِي الْحَبْسِ. (التكوين ٤٠: ٤)
تستحقُّ قصَّة يوسف أن تكون فيلماً يدوم عشراتِ السَّاعات، أو مجموعةِ أفلام تُظهر جميعَ ما عاناه ومرَّ به ليكون جاهزاً لإنقاذ كلِّ العالم في تلك الأيام، بسبب المجاعة التي أودت بحياة الملايين من الناس. فنحن لا نعلم لمَ علينا اجتياز وتحمُّل الكثير من المصاعب، لكنَّ القدير بحكمته له ما يبرِّره كسيِّد وبالتالي نتمِّم مهمتنا التي وُكِّلت إلينا.
بدأ العمل في يوسف عند العودة إلى الحبلِ به، عندما كانت أمّه عاقراً. يبدو الأمر وكأنَّها علمت بأنَّها ستنجب رجلاً يخلِّص الشَّعب بمنصبه. برَّر يوسف حسدَ إخوته له عندما رأى أنَّ كلَّ ما حدث له كان لصالح حفظ الحياة، فإنَّه لم يكترث أو يهتم للخوف والرَّهبة التي أصابته عندما ألقاه إخوته في بئر جافّة، ولم يحمل الاستياء لهم عندما بِيعَ كعبدٍ.
لو أنَّه كان في بيتِ فوطيفار عديمَ الإيمان أو ضعيف الذِّهن لسقط في التَّجربة مع زوجة رئيس شرط فرعون الزَّانية، ولكان قد استمتع بالحياة الجيِّدة بحسب مقاييس العالم الشريرة. لكن لأنَّه كان خادم الله وأصغى إلى خوف الربِّ في قلبه، فقد ورثَ ابن يعقوب هذا من أبيه الشخصيَّة والقوَّة لقول "كلا" للخطيَّة والإثم. وهكذا، بالرَّغم من أنَّه انسجن إلَّا أنَّه غادر من السجن إلى الحكم والسلطة لأعظم أمَّة في تلك الأيام على وجهِ الأرض. آمين!
لقد عُرف في السِّجن سريعاً بأنَّه ممسوح من الله، وسرعان ما كان رئيس ذاك المكان عندما تمَّ نقل المذنبين لدفع ثمن أخطائهم أو ليتم إصلاحهم. وسمع بإنسانيته وفسَّر الأحلام التي حلمها الخبَّاز والسّاقي، جاعلاً كليهما متعجِّباً ومتيقِّظاً، وأخبر السّاقي بأنَّه سيستعيد عمله من جديد، إلا أنَّه لم يحمل خبراً جيداً للخبَّاز.
وبعد أن أخبرَ الخبَّاز الأخبار الجيدة طلب يوسفُ منه أن يطلب من فرعون أن يطلق سراحه. وبالرَّغم من وعد السّاقي له، إلا أنَّه لم يتذكَّره إلا بعد سنتين، وأخبر الملك الذي حلم حلماً مخيفاً ولم يقدر أحد أن يفسِّره، لكن كان هناك في السِّجن شخصاً قادراً على إعطاء التفسير الصحيح. وعندما تمَّ استدعاؤه، فسَّر يوسف حلم فرعون بشكل صحيح، ولهذا السَّبب تمَّت ترقيته ليصبح رئيسَ الوزراء!
لا تسمح لنفسك بالانسياق والوقوع في الأمور السيئة التي حصلت لك، بل تعلَّم دروسك مع الربِّ من خلال الاختبارات. فإنَّه لا يجهِّزك الله عن غيرِ قصد، بل من أجل أن تّتخذ مكانتك في مشيئته وخطَّته. إنَّ التدرُّب أمر عاديٌّ بالنسبة للغالبية، لكنَّك يجب تتعلَّم من كلمة الله. لذا، استمر بالخدمة حتى يأتي يومك وسترى بعدها بأنَّ الأمر يستحقّ أن تكون خادماً حقيقياً. وعِش بفرحٍ لأنَّ معلِّمك هو يسوع.
لقد وضع قائد الشرط الخبَّاز والسّاقي ليخدمهما يوسف. وخدمهما جيّداً وعاملهما بلطفٍ بنعمة الله المُعطاة له. وبعد أن اتُّهم بمحاولة الاعتداء على زوجة سيِّده، أمضى سنواتٍ عديدة في السِّجن، ولكن عندما غادر، غادر لإطعام الملايين ومنحهم الحياة. تعلَّم يوسف فعل الصَّلاح، وكذلك فعل. ماذا عنك؟
محبَّتي لكم في المسيحِ
د. ر. ر. سوارز